Monday, December 18, 2017

٥ ليال في زنجبار

1
حين وطأت قدماي صالة القادمين بمطار زنجبار في منتصف الليل تذكرت صالة المطار الصغيرة في حقل النفط الذي كنت اشتغل فيه بحجمه الصغير و بساطته و قلة الموظفين فيه. و لم تمض دقيقة بعد الحصول على ختم الدخول حتى كنت في مواقف المطار اتلقى مختلف العروض من سائقي سيارات الاجرة. اعتذرت منهم بلطف ثم لمحت اسمي على ورقة بيضاء تحملها فتاة ضئيلة الحجم بقصة شعر ذكورية ألقينا عليها التحية و تبعناها. حين قلنا لها (خباري؟) ردت بابتسامة: انا اتكلم عربي ثم اضافت مشيرة إلى شاب اوروبي بجانبنا: اتبعوه سياخذكم إلى النزل. اتضح و ياللغرابة ان الشاب هو سائق النزل .. حين مضت بنا السيارة بدانا حديثا مقتضبا مع الفتاة اتضح ان امها عمانية و انها تعيش مع والدها في البيت/النزل .. وصلنا النزل بعد ما يقرب من خمس دقائق و استلمنا الغرفة القديمة و خلدنا لنوم طويل.
في الصباح تناولنا الافطار و راينا الاب الذي اعتذر من عدم تمكنه من اللغة العربية و تفضيله للتواصل معنا بالانجليزية حين سالناه عن قبيلته رد انه لا يذكر و سيسال ابنه ثم ما لبث ان عادت له الذاكرة فأخبرنا انه ينتمي لقبيلة البرواني.. بعد الانتهاء من الافطار المتواضع و دفع قيمة الليلة استأذنا من الرجل و ابنته و تطوع مشكورا بإرشادنا الى محطة انتظار ال (دالا دالا) اي الحافلة الصغيرة .. اجتزنا الطرق الترابية في الحارة حتى وصلنا للشارع الرئيسي المرصوف و كما اخبرنا العجوز وجدنا الحافلة رقم 505 تدعونا للركوب .. باتجاه مدينة الصخر (stone town) المركز التجاري للجزيرة و بصحبة حقائب الظهر ركبنا وسيلة المواصلات العامة الوحيدة في الجزيرة ذات المليون و نصف المليون نسمة و رغم حالة الحافلة المتداعية إلا انها لا تلهيك عن الاستمتاع بمناظر النباتات التي كانت تحف بالشارع من الجانبين و معظم الشوارع كانت ذات مسار مفرد و يشترك في استخدامها المشاة و سائقو الدراجات الهوائية و النارية بالاضافة للسيارات .. تخللت مسيرة الحافلة كثير من التوقف و نداء عابري السبيل و دعوتهم للركوب و حين وصلنا إلى المحطة الأخيرة ترجلنا و بدءنا المسير حثيثا نحو حديقة الفرضاني المواجهة لبيت العجائب و بيت الساحل .. في قلب مدينة الصخر تبدت المباني الاسمنتية التي نادرا ما تجاوزت الطابقين و في واجهتها ابواب المحلات الخشبية القديمة و الجدران القديمة ذات الالوان الكالحة و اثناء مسيرنا على أكتاف الشارع الترابية استوقفنا احدهم عارضا علينا جولة سياحية إلى جزيرة السجن .. عرض الرجل علينا دفع 30 دولارا للشخص و لكن بما اني كنت قد سبق لي ان قرات على الشبكة العنكبوتية أن السعر الحقيقي لا يتجاوز 15 دولارا فقد تمكنت من كسب الصفقة لصالحي .. اصطحبنا عبدالله - و هذا اسمه-  إلى الشاطئ و تبادلنا معه اطراف الحديث فاكتشفنا انه من اصل عماني من قبيلة المخلدي و تقبل منا بكل ترحاب كيس الملابس الذي كان بحوزتتا و الذي اردنا بذله في سبيل الخير .. بعد اخذ زعانف و نظارات الغوص ركبنا القارب  الذي انطلق بنا نحو جزيرة السجن التي وصلنا إليها بعد ما يربو على العشرين دقيقة .. أحاط بالجزيرة حزام شاطئي ذو مياه صافية نقية .. رسى القارب عند الجسر المؤدي إلى قلب الجزيرة فصعدنا الدرج المؤدي إلى الجسر و ما هي إلا دقائق حتى كنا في حديقة السلاحف .. كانت بعض السلاحف العملاقة تتغذى على نباتات الحديقة فيما يمكن رؤية بعضها الآخر اسفل جسور المشاة رابضة في أوحال المستنقعات منتنة الريحة .. تركنا الحديقة متجهين إلى السجن الأثري الذي كان ساحة واسعة كفناء بيت كبير تحيطها من الجهات الأربع الزنازين المبنية من الصاروج و التي تذكرك ابوابها بابواب بيوت الطين القديمة في عمان .. فيما تبقى من الوقت ذهبنا بالقارب إلى الطرف الآخر من شاطئ الجزيرة لممارسة الغوص و رؤية الشعب المرجانية الخلابة ثم قفلنا عائدين.
حين استقرت أقدامنا على بر الأمان بمدينة الصخر مشينا صوب بيت العجائب حيث تلقانا المرشدون السياحيون بحفاوة و ترحاب عارضين خدماتهم بابتسامات أوسع من المحيط الهندي و لكن لم نفهم منهم سوى أن بيت العجائب مغلق للصيانة رغم ان القصر المجاور له هو بيت الساحل و كلاهما كانا للسيد سعيد بن سلطان و نظرا لشدة الحرارة و قلة النوم فقد كان القرار أن ننهي جولة اليوم فيممنا وجوهنا شطر محطة الدالا دالا سائلين عن الحافلة المتجهة نحو ضاحية (كارويركي) بناءا على نصيحة العم سالم البرواني و منها اخذنا حافلة أخرى إلى منطقة (بويجو) على الساحل الشرقي من الجزيرة و كالعادة فقد كانت الدالا دالا في حالة يرثى لها خاصة حين ادركنا أنها سيتم كنزها بما يقرب ال25 شخصا رغم ان حمولتها القصوى 16 راكبا و في الطريق لاحظت على خرائط جوجل أن السائق أخذ طريقا مختصرا عبر الحقول في شارع ترابي مثيرا زوبعة من الغبار اخترقها الباص بنوافذه المفتوحة و استمرت لاكثر من ربع الساعة .. كان جاري في مقعد الحافلة الخلفي اشبه بهيكل عظمي اسود يرتدي ملابس فضفاضة غريبة هي قطعة واحدة حمراء مزركشة .. لم يكن منظره غريبا علي ثم تأكدت شكوكي لاحقا حين رايت الكثير من الاشخاص بنفس هيئته .. لقد كان من قبيلة الماساي اشهر القبائل الافريقية المحاربة المعروفين قبل عدة عقود من الزمن الذين قاوموا الاستعمار البريطاني حتى فني اكثرهم و الذين كانوا يصطادون الأسود و يتخذون من لبداتها زيا لهم و موطنهم الأصلي في كينيا و شمال تنزانيا.
ما إن وصلنا إلى نقطة محاذية لفندقنا الشاطئي حتى طرقت جدار المركبة بكل قوة لاجذب انتباه محصل النقود الذي اعتاد ان ينادي المارة و يدعوهم للركوب و بذلك يبقي السائق منتبها للطريق .. اجتزنا الاكواخ الشاطئية و البيوت الطينية و لم ننس ان نتوقف لشراء ثمرة اناناس و عند وصولنا للفندق استلمنا الغرفة و أخذنا قسطا من الراحة و صلينا و تناولنا الغداء ثم استلقينا بمواجهة الشاطئ و اخذت بقراءة كتاب اصطحبته معي و لم تفتتي رؤية أن حارس الفندق كان من قبيلة الماساي.. الماساي يأتون إلى الجزيرة بحثا عن لقمة العيش و كثير منهم يشتغلون كحراس او باعة متجولين.  على العشاء اتفقت مع مالك الفندق (هودي) ان يصطحبنا في اليوم التالي إلى غابة (جوزاني) لرؤية اشجار المهوجاني و القرود مقابل 15 دولار و بعدها تبادلت الحديث مع سائح هولندي على أعتاب الستينات جاء بصحبة زوجته و حين سالته إن كان يعرف عمان اجاب ضاحكا و كيف لا اعرفها و نحن نسمع عنها كل يوم منذ ان وصلنا إلى الجزيرة. حين عدنا للغرفة كنت افكر في دماثة خلق هودي مالك الفندق و كذلك طيبة مالك الفندق السابق فتساءلت إن كانت تلك طيبة عادية ام انها لأجل الحصول على تقييم جيد مني للفندق في موقع بوكنج .. هل يا ترى تقوم الأخلاق على اساس نفعي مع بعض الاستثناءات ام ان العكس هو الصحيح؟؟
و هو تساؤل قديم تناوله الفلاسفة و المفكرون منذ اقدم الأزمان و لم ينتهوا فيه إلى نتيجة مرضية. و على العموم فقد احسنت النية في مضيفي خاصة و ان الشعب هنا بشكل عام به مسحة من الطيبة و حسن الضيافة.
2

حين غادرنا في الصباح مع هودي في سيارته من نوع برادو لاحظت ان الباب الخلفي للفندق عليه رسمة لقرود و بجانبها كتب crazy muzungu اخبرنا هودي ان معناها (الرجل الابيض المجنون).. اما عن هودي فكان اشبه بجوجل الرحلة حيث استفدت منه الكثير من المعلومات مثل ان حزب المعارضة الذي يمثل اغلب الفقراء يطالب بالاستقلال من تنزانيا لان زنجبار ترزح من كثرة الضرائب و قلة الاهتمام مقارنة بتنجانيقا (و هو اسم اراضي تنزانيا بدون زنجبار) و اخبرنا أن الكثيرين يأتون من تنجانيقا للعمل في زنجبار و من بينهم أفراد من الماساي كما اخبرنا ان العمانيين في البلدة هم اغنى الناس حيث يجلبون تربة خاصة إلى الأراضي الساحلية تصلح لاستزراع شتى انواع الفواكه.. و العمانيون الذين هربوا بعد المجزرة التي تعرضوا لها عام 1964 سمح لهم بالعودة بعد ذلك بعدة عقود و استلموا املاكهم التي صارت خرابا من بعدهم و اصبحوا عاملا مهما في انعاش اقتصاد الجزيرة المتردي.. اما الصدمة الكبرى فهي حين أخبرنا هودي أنه يحمل الجنسية الفرنسية كجنسية ثانية و ان زوجته هي سفيرة فرنسا المنتهي عملها في اوغندا و السيارة التي يقودها هي سيارة ديبلوماسية و دعم كلامه باخراج جواز سفره الفرنسي و أرانا صورته بالزي الرسمي مع زوجته البيضاء في استقبال الرئيس الاوغندي و صور لبعض الحفلات الديبلوماسية له و لزوجته و ابنائه الثلاثة ... القصة هي كالتالي قبل 28 سنة جاءت الفتاة إلى زنجبار لدراسة اللغة السواحيلية حيث التقيا و وقعا في غرام بعضهما .. اكثر ما ادهشني في الامر ان الرجل يبدو في الثلاثينات من العمر رغم انه قد ناهز الخمسين.
قبل دخول غابات جوزاني طلب منا هودي التزام الصمت ما امكن و التلفظ ببعض الكلمات السواحيلية حتى يتمكن من اقناع المسؤولين عن الدخول بأننا مواطنون ليتسنى لنا دفع نصف قيمة الدخول و لكن الخطة لم يكتب لها النجاح للأسف.
اخذنا المرشد السياحي (حيدري) لرؤية الغابات التي تغطيها اشجار المهوجاني المعروفة بانتاجها أجود أنواع الخشب على مستوى العالم و التي تستوطنها القرود و يروي البعض رؤيته لنوع النمور المعروف باسم (شيتا) رغم عدم تسجيل رؤيتها رسميا ثم في الجهة المقابلة من الشارع ذهبنا لرؤية غابات أشجار المانجروف التي يستخدمها الأهالي لبناء منازلهم رغما عن أنف قانون حماية البيئة.
في طريق العودة حكى لنا هودي عن زيارته للسلطنة مع عائلته الفرنسية حيث استمع بدهشة إلى حديث موظفي الجوازات بمطار مسقط و هم يتهامسون بالسواحيلية - و بلكنة غريبة حسب وصفه- عن جنسيته الحقيقية حيث يذكر جوازه الدبلوماسي الفرنسي انه مولود في زنجبار و كانوا قلقين من انه لن يغادر البلاد و لكنهم سرعان ما ختموا الجواز بختم الدخول بعد رؤيتهم لحجز تذكرة العودة.
بعد تناول الغداء و اخذ القيلولة خرجنا عصرا للمشي على الشاطئ الذي تحفه المنتجعات على جانبه و بعد انتهائنا و عودتنا للفندق و الاستعداد للقراءة قبالة الشاطئ تفاجأنا بزيارة من شابين من الماساي سالنا اصغرهما بلغة انجليزية فصيحة عن بلدنا فاخبرته اننا من عمان .. ظننته جاء للتعارف فسالته عن اسمه و بلده كان اسمه دانيال و هو يعيش في بلدة تنزانية على مقربة من جبل كلمنجارو ذي القمة الأعلى في افريقيا فاخذت رقمه واعدا إياه بالتواصل حين أرغب قريبا -كما خططت- بصعود كلمنجارو بعد ذلك اخبرنا بما جاء من اجله و هو انه و صاحبه باعة متجولون يبيعون منتوجات الحرف اليدوية من تماثيل و اقنعة خشبية و حلي و قلائد .. فرشا بساطا على الرمل لعرض مشغولاتهما اليدوية فانضم إلينا 3 سياح آخرون و لكن لم يظفر دانيال باي صفقة ذلك اليوم .. على كل حال اصابنا الندم بعد ذلك حين عدنا لمدينة الصخر حيث اكتشفنا ان اسعار دانيال كانت ارخص.
3

في اليوم التالي استيقظنا باكرا و بعد الانتهاء من تناول الفطور يممنا شطر الشارع الرئيسي .. لم يكن هودي موجودا حينها فقد أخذ عائلة فرنسية من اصدقائه في اوغندا التقاهم بالصدفة في اليوم السابق في جولة لرؤية الدلافين .. على رصيف إحدى محلات المواد الغذائية البسيطة انتظرنا مع المنتظرين و قد طال بنا الانتظار لما يقرب من الساعة حتى مرت حافلة مكتنزة بالركاب فانضممنا إليهم .. بعد هنيهة وصلنا احد الدوارات حيث تم تفريغ الحافلة من الركاب الزائدين و السبب الذي اتضح لاحقا هو ان نقطة تفتيش للشرطة كانت على مقربة منا و بعد اجتيازنا لنقطة التفتيش انضم لنا بعض من تم انزالهم قبلها حيث لحقونا مشيا على الأقدام.. الجيد في رحلة العودة هذه أن السائق سلك الطريق المعبد بدون محاولة اخذ طريق مختصر مثيرا زوابع رملية كما حدث سابقا. وصلنا المدينة فترجلنا لنركب الحافلة الداخلية و طلبنا من محصل التذاكر - إن جازت التسمية - ان يوصلنا إلى ضاحية (مويبي) حيث يقع المنتجع المطل على البحر و لكن اتضح أن آخر محطة توقف تقع بجانب المطار ثم بعد ذلك توجب علينا المشي لما يقرب من ربع الساعة و كانت فرصة جيدة لرؤية الحياة العامة على جانبي الشارع حيث الحدائق المصغرة و باعة الخضروات و بائع المانجو بعربته المتنقلة و الكافتيريات التي تبيع السمبوسة و المندازي و اكشاك المواد الغذائية و ربات المنزل المثيرات للشفقة اللائي يكسرن الحجارة لقطع صغيرة و يعرضنها في اكياس اسمنت مستعملة للبيع لغاية لم نعلمها .. كم رأينا في طريقنا قبل الوصول للمنتجع معهد العلوم و التقنية و معهد العلوم الصحية المتواضعين.

وصلنا للمنتجع الشاطئي المملوك لأحد أثرياء الخليج كما علمنا لاحقا من طاقم العمل .. استقبلتنا مسؤولة الضيافة التنجانيقية و كل طاقم الفندق تقريبا من تنجانيقا فأهل زنجبار المسلمون متحفظون بشأن عمل أبنائهم في الفنادق حيث تقدم الخمور .. قضينا ما تبقى من ذلك اليوم في المنتجع للاسترخاء و القراءة بعد جولة سريعة على الأقدام في المنطقة السكنية المجاورة حيث لم يحدث ما يستحق الذكر.
4
في أثناء تناول الافطار سألنا القائمة بأعمال مدير المنتجع الكينية البشوشة (روز) عن تكلفة التوصيل إلى مدينة الصخر بسيارة الفندق فأخبرتنا انها ب 10 دولارات باتجاه واحد .. ركبنا السيارة و وصلنا المدينة بعد ربع ساعة .. طلبنا من السائق انزالنا عند بيت العجائب و قبل أن تتوقف السيارة كان المرشدون السياحيون قد أحاطوا بنا من كل صوب .. استقبلنا أحدهم بالتحية و صافحني مقدما نفسه باسم (علي) حاولت الابتعاد عنه لكنه لحقنا و هو يخبرنا أن بيت العجائب مغلق للصيانة ثم أشار نحو بيت الساحل المحاذي و حين اتجهنا صوب القصر أبت مروءته علي إلا أن يرافقنا و هو يطيل الحديث عن القصر .. قلت في نفسي سأتخلص منه عند التذاكر حيث لن أبتاع أكثر من تذكرتين .. كان المدخل الجانبي للقصر محفوفا بالنباتات التي اعطته رونقا و جمالا أخاذا .. عند الدخول تفأجات بان عليا سيدخل معنا مجانا باعتباره مرشدنا السياحي .. لم استطع الاستمتاع كثيرا برؤية غرف القصر و الرسومات العملاقة لأبناء السيد سعيد بسبب ضيفنا غير المدعو .. على كل حال قضينا الوقت سريعا في الطوابق الثلاثة للقصر بين غرف النوم الملكية و الغرفة المخصصة للاجتماع بالوفود الرسمية كما رأينا غرفة السيدة سالمة (إيميلي روت لاحقا)  و من اعلى إحدى الشرف أشار (علي) إلى الفناء الخارجي حيث استقر قبر السيد سعيد و قبور أفراد عائلته المشيدة بالحجر وسط حديقة من النباتات .. حين خروجنا من بيت الساحل اشار علي علينا لنتبعه لرؤية القبور فاستوقفته جانبا و أخبرته أننا لا نريد مرشدا و أننا سنكمل ما تبقى من جولتنا بدونه .. طلب 20 دولارا (8 ريالات) فاعطيته عشرة آلاف شلنج (1.7 ريال) و تركناه متجهين لرؤية الحديقة الجانبية حيث اصطفت قبور السيد سعيد و أفراد عائلته .. و بعدها أخذنا جولة سريعة على الأقدام في حديقة الفرضاني الصغيرة المطلة على البحر التي سبق لسائق الفندق أن أخبرنا أنها تتحول ليلا إلى سوق للأطعمة و الأكلات الشعبية المتنوعة .. قبالة الحديقة انتصب بيت العجائب شامخا بطوابقه الأربعة و في الداخل ترى سفينة ضخمة تتوسط نصف المساحة الداخلية و ترتفع حتى تبلغ الطابق الثاني .. و جميع الطوابق العلوية الأربعة مكشوفة و مطلة على السفينة مما يعطي انطباعا بالهيبة و الجلال و قد استخدمت باقي الغرف كمعارض تعرض فيه مقتنيات تاريخية و صور لسلاطين زنجبار .. حان وقت العودة للمنتجع فأنهينا جولتنا بشراء بعض التحف التذكارية من السوق الشعبي الشبيه جدا بسوق مطرح و تناولنا الغداء في مطعم (طريق الحرير) ذي الطراز الهندي .. اتجهنا لمنطقة سيارات الأجرة .. طلبوا 4 ريالات فاتفقت معهم بعد مفاوضات على عشرة آلاف شلنج   .. امضينا ما تبقى من اليوم في القراءة على الشاطئ احيانا و بجانب حوص السباحة احيانا أخرى مع تناول الأناناس .. هنا لا بد من أذكر حادثة غريبة حيث كانت مجموعة من الفتيات الافريقيات برفقة شاب يمارسون السباحة في الحوض عصرا بملابس (مش ولا بد) ثم في الليل سمعتهم يستمعون إلى اغنية لماهر زين من هاتف احدهم.

5

ها هو ذا يوم الرحيل .. كنت على تواصل بالواتساب مع (جمعة) أحد السكان المحليين الذي تعرف عليه عن طريق برنامج للتعارف بين المسافرين رغب (جمعة) بدعوتنا لزيارته لكن الوقت و الظروف لم تسعفنا في الايام الماضية .. أخبرته صباحا أنه يومنا الأخير في الجزيرة فاتصل بي  .. كان يوم السبت أي أنه اليوم الأول من الاجازة الاسبوعية .. طلبنا من الفندق توصيلنا لمنزل جمعة عوضا عن التوصيل المجاني للمطار .. حزمنا امتعتنا و انطلقنا .. استقبلنا جمعة لابسا ثوبا مشابها للثوب العماني و قبعة رأس (كمة) مشينا معه إلى البيت حيث استقبلتنا زوجته و أخواته و جلسنا معهم في صالة البيت حيث عرضوا علينا مقطعا تسجيليا لحفل زفاف (جمعة) الذي مضى عليه شهران .. شاهدنا مراسم الحفل شديدة الشبه بمثيلتها في عمان و نحن نتناول الغداء المبكر (الساعة 12) .. كان التبكير بالغداء مراعاة لنا حيث توجب علينا المغادرة بعدها بساعة للحاق بموعد الطائرة .. اصطحبنا جمعة إلى مواقف انتظار الدالا دالا .. بعد دقائق من الانتظار في الحر و مشاهدة اكتناز الركاب في باصات و شاحنات النقل سألت جمعة عن تكلفة التاكسي فأجاب أنها في حدود العشرة آلاف شلنج .. طلبت منه ايقاف واحد لنا ففعل مشكورا ..
أخيرا هنا نحن على أرض المطار استعدادا للعودة إلى الوطن حاملين معنا ذكريات الغابات الافريقية و طعم الفواكه الإستوائية و أحاسيس الروح الزنجبارية.

No comments:

Post a Comment