إنه لأمر غريب يدفعني إلى التساؤل .. غالبية الناس يعيشون الحياة بتعريفها الحسي .. متعتهم اليومية لعب الكرة أو مشاهدة فيلم أو جلسة سمر أو تناول وجبة لذيذة .. خططهم و أهدافهم هي من قبيل الحصول على وظيفة أعلى دخلا أو السعي لتكوين سمعة جيدة و شعبية أكثر انتشارا أو تملك البيوت و السيارات و السفر لامتاع النفس.. همومهم تتركز في جيوبهم و أرصدتهم البنكية.
هذا هو حال الغالبية و هو مفهوم و منطقي جدا لأنه تعبير مباشر عن السعادة الحسية.. و لكن الذي يثير الدهشة و يدعو للتساؤل هو الصنف الآخر من الناس و هم الأقلية الذين يجدون متعتهم في سبر أغوار الفكر و حب المعرفة و يتلذذون بالقراءة و مخالطة أصحاب العلم و همهم جمع المزيد من المعلومات و الاطلاع على ما غاب عنهم من معارف متعددة و لا تحتل المتع الحسية عندهم مركزا متقدما بل جل اهتمامهم ينصب على اشباع ظمئهم المعرفي و السمو بروحهم و توسيع مداركهم.
إن وجه الغرابة و الدهشة من هؤلاء الناس يكمن في اختلاف تعريفهم للحياة و السعادة عن باقي الناس و تفردهم بمعاييرهم الخاصة للمتعة .. ما هو الشيء الممتع الذي يجدونه في تنمية المدارك و تغذية العقل لدرجة تضاؤل أهمية المتع الحسية عندهم؟ و هل هو شيء يستحق فقد الشعور بأنهم طبيعيين كبقية الناس؟
أم أن الأمر لا يتعلق بطييعة الشخص و غيريته عن بقية الناس بل هو متعلق بطبيعة النشاط الفكري و لذته المحروم منها كثير من الناس و التي يعرفها من جربها؟
هذا هو الاحتمال الأرجح و لكن السؤال الذي ينتج عنه ليس أقل صعوبة .. فلماذا من الصعب لدى معظم الناس ادراك مدى حلاوة هذه الأنشطة الفكرية؟ هل لصعوبتها الممزوجة بحلاوتها؟ أم لأنها ليست بمتناول اليد؟ أم لأن لذتها غير ظاهرة و متمنعة؟
No comments:
Post a Comment